قراءة أدبية قام بها صديقي اللأديب و الناقد الأدبي و الباحث أ. صلاح عمر بوكفة لكتاباتي و الذي أشكره جزيل الشكر على الإلتفاتة الطيبة.
و التي يقول فيها:
الشّاعر فريد مِرازقة ( محمود درويش الجزائر ) الجزء الأوّل
اعداد : أ. صلاح بوكفة ( كاتب و باحث جامعي في النقد الأدبي و تحليل الخطاب )
( - دراسات جامعية معمقّة في مناهج النقد الأدبي المعاصر - )
تقديم :
ان ّالشِّعر هو ثورة الكلمة ، ولغة القافِية ، التي لا تَفتأ تَصرخ ملء الشَّاعرية والشعرية ، ترسم ملامحَ الوجود والموجود ، وتترجِم الخيرَ والشرَّ في الإنسان، وتَكشف عن أعماقِ ذاتيَّةِ الشاعر الذي يخلق من أبجديَّة مشاعره وآلامه وآمالِه وطموحاته مادَّةً هلاميَّة يشكِّل منها صورًا تخييليَّة، يلونها بأساليبه البلاغية والمجازية ؛ لتعبِّر عن آرائه وميولاته وأحلامِه .
ولأنَّ بؤرة الإبداع الأدبي هي تَحقيق التأثير في المتلقِّي؛ كان لزامًا على المبدِع ، سواء أكان شاعرًا أم كاتبًا ، أن يجيدَ استعمال لغته الأدبيَّة، وأن تكون منه كفاءة الإرسال، وتكون من المتلقِّي كفاية التأويل؛ كي تَكون عمليَّة التواصل بينهما ناجحة ، فالشِّعر رسالة والقصيدة ( شيفرة ) يحاول القرَّاءُ تفكيكها والغوص إلى ما وراء الكلمات في أعماق ما بين السطور ؛ محاوَلةً منهم لفهم مقاصد الشَّاعر ... فالشّعر هو الغوص في أعماق الذّات الانسانيّة ، و استنطاق لمكنوناتها الباطنية ...
ففريد مرازقة هذا القلم الجاد الأنيق ، القادم من عمق منطقة الشّاوية ولاية أم البواقي الجميلة واحد من الشّعراء الذين برزوا هذه السنّة بكلّ قوّة من خلال أعماله المبهرة و هندسة حرفه الجيّدة ، بكل تجديد و أصالة ، الأستاذ الشاعر فريد مرازقة من مواليد 19 أكتوبر 1984 بعين البيضاء ولاية أم البواقي و القاطن ببلدية بريش
زاول دراسته الإبتدائية بمدرسة كانوني الطيب العتيقة ببلدية بريش، ثم انتقل الى متوسطة معمري ميلود بنفس البلديّة ثم إلى ثانوية زيناي الحاج بلقاسم بعين البيضاء جذع مشترك علوم ، لكّن حبه للأدب العربي جعله يغيّر مساره الدّراسي من العلوم إلى الآداب ليتوّج بشهادة البكالوريا سنة 2002 ، خريّج جامعة أم البواقي بشهادة ليسانس في اللغة الفرنسية سنة 2006 مما أهّله للعمل في التدريس كمتعاقد بنفس الجامعة لمدة سنة ، انتقل بعدها إلى التعليم في الأطوار الأخرى و استقر به المقام أخيرا في التعليم المتوسط ( أستاذ اللغة الفرنسية ) ، الشاعر فريد مرازقة
متأثر كثيرا بالكتاب الغربيين أمثال فيكتور هوجو، بودلار و موليار و أدباء المغرب العربي الذين يكتبون بالفرنسية كياسمينة خضرة، مولود فرعون، كاتب ياسين و غيرهم ، كما تأثر كثيرا بالشاعر الكبير محمود درويش ماجعله يقدّم للقارئ قصائدا مميّزة بروح درويشيّة رائعة و بتجريب أدبي مهمّ .
ان ّجلّ ما كتب شاعرنا و حسب اطّلاعي المتواصل أراها قصائد سنفونية شعرية تتراقص على إيقاعات التشكيل اللغوي والتصويري كأنّه يتطلع إلى تقديم إشراقات جديدة ، فالخيط الناظم بين جميع قصائده يتجلى في طبيعة اللغة الراقية المتسمة بقصر دفقاتها الشعورية التي تحمل في طياتها مشعل الابداع الفني في زحمة مختلف الحساسيات الشعرية الجديدة. وكذا على مستوى الإيقاع الشعري المتجلي في الاختزال الدلالي والتكثيف الإيحائي، الذي يختزل جوهر العملية الإبداعية عند الشاعر فريد مرازقة ، فهذا الشّاعر المبدع مهووس إلى حد الجنون بسحر الإبداع والتخييل يصور ما لا يراه الإنسان العادي في سيرورته الوجودية ، و الأجمل أنّه يتقن فن الترجمة و يوظفها في بعض ما يكتب ، مؤهلاته تنمّ بأنه سبهر أكثر ان خطّ في الأجناس الأدبية الأخرى كالرّواية و القصّة .. لامتلاكه هذه المهارة القيّمة .
إن القارئ لأعمال مرازقة سيستمتع بلا شك باللغة الإيحائية الراقية المفعمة برؤية فلسفية، وبجمالية الحبك الشعري المأسور بعالم الدهشة والتخييل الشيء الذي سيجعل المتلقي يرقص.. ويسافر.. ليرسو في جزيرة شعرية تربتها حفر في الذاكرة ، و عموما فنصوصه، عميقة الدلالة والمعنى، لغتة رمزية إيحائية مشحونة بأبعاد ودلالات متعددة لها قراءة مفتوحة للقارئ ، و الملاحظ أكثر و المتمعن يرى بأنه يحاول الكتابة بنفس جديدة و نمط مختلف يكّسر به النماذج الأدبية القديمة .... ؟
و من أجمل ما كتب الشاعر فريد نذكر قصيدة (فيزياء القهر) و التي علّق عليها أحد الأدباء بقوله : ( أنّها شكيلة فيزيائية جميلة!
مَن قال إن الشعر لا يصلح إلا للبكاء على الحبيبات!
الشعر حياة... )
و خلاصة القول ، نرى بأنّ التجربة الشعرية للشاعر فريد مرازقة من خلال أعماله المنشورة نراها تجربة صادقة ، نابعة من القلب ، كما نلاحظ أنّه يوظف الصورة الشعرية التي تبدو من خلال قراءة أولية للقصائد أنها مهيمنة بشكل كبير على بناء النصوص، فيبدو أنّه اجتهد في جعلها قوية وأخاذة ، و أيضا من حيث الموضوعات نجدها معاصرة تواكب قضايا الواقع المعاش ( ثقافية ، غزلية ، اجتماعية ، و سياسية .... ) أماّ في الغزل فهو نمطه المحبوب فنجده أميرا في هذا الغرض الأنيق
ينثر بين يدي القاريء زنابق بعطر الغزل العاطفي العفوي الرقيق ؛ كما انها تحمل في ثناياها الشعور الوطني الذي يبرز واضحا في بعض القصائد والتي لا تخلو من شجن نفسي تغلب على ارهاصاته المعاناة الذاتية ضمن مجمل المنحى العام فجلّ قصائده الغزلية ليست كلها تغرق في الحسرة والالم والتوجع والذكريات ؛ بل تلمس في كثير من مقاطعها ؛ الامل الوردي والحب الذي يمنح القلب المعنى دفقات من الراحة والمرح و الآمال ( كقصائد : دمار شامل / الشِّعرُ سَيِّدَتي... /
و أيضا له بعض القصائد الساخرة بدلالات رمزية كقصيدة (أينَ أنتُم مِنا؟ ) يقول :
أينَ أنتُم مِنا؟
و السَراويلُ قَد هَبَطت.
على قَارعَة الطّريق
و فِى الصَّفّ...
سَنابلُ شَعركُم...
قَد صُبِغَت.
و ذاكَ الحجَابُ...
ذاكَ الحِجابُ...
و تِلكَ الثِّيابُ...
قد مُزِّقَت.
و بَين أذُن مُغلَقةٍ
و عِلكةٍ ،رُوحُكم...
قد مُضِغَتْ.
فأينَ أنتُم مِنا؟
و تِلكَ الخوَاتِمُ
و سلَاسلُ الخوفِ
قد صُلِبَت.
و نَخوةُ الرُّجُولةِ
مِن أجسَادِكُم...
قد ذَهبَت.
وتِلكَ الأُنُوثةُ...
تِلك الأنُوثةُ الوردِية
فِي الأعمَاق...
قد دُفِنَت.
تتأفّفُون، تتأوَّهُون
و أيْدِيكُم منَ الرُّقاد...
قد انتفَخَت.
تَستَرقُون السَّمعَ
و ألسِنتُكُم نارٌ
مُتَّقِدةٌ تأكُلُ الرُّوح...
ما فَتِئت.
و مُوسِيقَاكُم رَعدٌ و بَرقٌ
و ألعابُكُم ما أحبَبتُمُوهَا...
إن ما قَتَلَت.
و هَمُّكُم فِيزا و شَقرَاءُ
و جَوازُ سَفَر و إقَامَة...
إن وُجِدَت.
وَ سهَرَاتُكُم حُبْلى
خَمرٌ و كِيفٌ
كبَائعَة الهوَى...
إن سَكَرَت.
لن أقُول ضِعتُم
بل ضَيَّعَتكُم تِلكَ التِي
بَينَ أحضَان النَّار...
قد رَقَصَت. ...
من خلال ما رصدناه حول سيرة و نماذج هذا الشاعر المبدع ، نقول بأن فريد مرازقة صوت شعري مميّز في الشّعر الجزائري المعاصر لكن أتساءل لماذا لم يكن مثار اهتمام النقّاد مع العلم بأنّ تجربته الشعرية الواعدة قد رصدت بذكاء ما يمكن أن يجعل من ابداعه تأسيسا لقصيدة درويشيّة لها تفرّدها ، فهي بكلّ اختصار نماذج متنامية راقية ، فريد مرازقة قلم واعد قادم من الشّرق الجزائري تجربته مخلصة بشجن المآسي ، الحبّ ، الوطن ، الحياة .... .
صلاح بوكفة ( عين البيضاء - الجزائر )
28/08/2017 ( يتبع .... في 03 أجزاء )
لقد أحسنت النشر ومزيد من التألق والابداع بومعزة عبد المنعم
ردحذف